انها سيرة الحياة الطبيعية و مشيئتها ان تتغير يعد كل مرحلة و تنتقل الى اخرى مغايرة بشكل ما قليلا كانت ام كثيرا، و تكون بمواصفات و سمات اكثر تمايزا عما قبلها، و تكون في اكثر الاحوال متطورة و متقدمة عليها ان لم يصبها عطل اوتحدث فيها مفاجئة ، او تتعرض لقفزة و تترك فراغا تجبرها العودة بعد حين لملأ المساحة المفقودة الحاصلة من جراء القفزة، و انها لامر طبيعي و مثبت علميا ان ترتقي الحياة العامة للكائنا ت و لكن ببطأ ، و ما يمنع التلمس بها من قبل الانسان اثناء معيشته و بشكل واضح هو قصر عمره، و انما التسارع واختصار الزمن فسح المجال الكثير للتيقن من التطورات الحاصلة بعد مراحل متعددة، و ان كانت قصيرة نسبة الى عمر الكون و مدى الانتقالات و وضوح التغييرات في الشكل و التركيب و التدرج الفصيلي و الرتبي لكل ما موجود من المادة و ما يتعلق بها.
و من هذا المنطلق العلمي المدروس و استنادا على البحوث و النظريات و التجارب التطبيقية لما يخص الطبيعة ، يمكننا ان نقيٌم ما يحصل لما يمس حياة الانسان من كافة جوانبها الاجتماعية الاقتصادية الثقافية السياسية الفكرية العقلية و نظرته الى الحياة، و كل منها تحتاج لبحوث و دراسات و التعمق اكثر في مضامين التغييرات لتوضيحه بتواضع و سهولة لكافة الفئات و المكونات و العقليات البشرية ، و هذا لا يعني حدوث تطور و تجديد و تحديث و اصلاح و اخيرا التغيير في جانب ما و توقفه او جموده في الاخر، لا بل هناك علاقات و روابط متلازمة بين الظروف و الحالات و الجوانب التي يحصل فيها التغيير في النهاية، و تتكون او تنبثق نتيجة ذلك معادلات معقدة لربط كافة المتغيرات و ما يحصل ليُستنتج بعد كل مرحلة واقع مغاير متميز و اكثر تطورا من سابقه. هذا ما يثبته لنا التاريخ في كافة بقاع العالم و ما توصل اليه كل موقع او منطقة و كيف انتقل و تجاوز الامور و خلف ورائه المراحل و الوقائع و تلمست الاجيال ما ترسب منها و كيف عمد على ازالة المضر السلبي و تمسك بما هو المفيد الايجابي.
اليوم لو اختزلنا ما نريد الغوص فيه في جهة من ناحية او حالة واحدة و درسنا الواقع و ما يتطلبه من ضرورة الاصلاح و حدوث التغيير، لابد ان نوسع في كلامنا ليشمل ما يخص المجتمع، و لو نتعمق و نضيق المساحة لكي نكون عمليين في الطرح و الكلام و المواقف و نحصر التغيير الشامل في واقع المجتمع في منطقتنا لابد ان ندرس ما يتصف به ظروف كل مجتمع و واقعه و اختلافاته عن الاخر لننجح في التقييم و الدراسة و التشخيص.
اذن الجانب الرئيسي المسيطر على كافة الفروع و ما تشمله الحياة ،والذي بتغييره يتاثر ما هو مرتبط به بشكل طبيعي هو ما نعرفه اليوم بمفهوم السياسة العامة لاي موقع او بلد ، و النظام السياسي العام الذي يرتبط به كافة الجوانب الاخرى المعرضة للتغيير. لو القينا نظرة عابرة على اي نظام لاي بلد، و ما هو فيه من المميزات لابد ان نرتبه و ندرج مستواه من حيث التوافق مع متطلبات الحياة العصرية التي تسير عليها الدول و المناطق المتطورة الاخرى، و بفضل المستجدات و التماس المباشر معها بفعل العولمة و الاتصالات، و ما يحتك به الجميع مما يثير الجوانب الاخرى لما يهم حياة الانسان في التحرك بهذا الاتجاه و السير الصحيح نحو الامام .
ربما يقتصر احد ما التغيير و ما يشمله في الاصلاحات البسيطة هنا و هناك او يلصق الاسباب و الموانع بتيار او حزب او تجمع استقرت حاله في البقاء و التعلق على مستوى و مكان، و لم يتمكن من مسايرة ما يجلبه التطور و ما يفرضه تنوع و اختلاف الاجيال و سماتهم ، و هو يختزل التغيير و يؤطره في حال و ظرف من اجل هدف ما ، سوى كان سياسيا او اقتصاديا او ثقافيا، و لكن ما يفرض نفسه هو سعة مساحة التغيير بعد حاصل جمع الاصلاحات في كافة النواحي ، و ان كانت السياسية هي المؤثرة على الاخريات ، و هذا ما يفرض علينا ان لا ننظر الى متطلبات الحياة العامة من الاصلاح و التغيير المطلوب من زاوية الصراع السياسي و المصالح الشخصية و ما يستغلونه من اسم و مضمون هذا المفهوم المتعدد الجوانب و المكامن و المظاهر دون الخوض في تحليل و معرفة ما يجعله متفاعلا و ما يفرزها من المعطيات و التداعيات و ما يريدها من المتطلبات و العوامل المساعدة لنجاحه ، و همٌ هؤلاء الوحيد هو حصر هذا المفهوم و اختزاله بكل قواهم في الصراع السياسي الذي تربوا عليه منذ تعومة اظافرهم و يعتمدون عليه كوسيلة لمنافسة الاحزاب و القادة المنافسين، و استغلاله كعامل او ورقة رابحة في التنافس و الصراع.
لو حدث هذا و ان كان لاهداف ليست في محلها، فانه سيؤدي الى الاختلال في الوضع المعيشي العام نتيجة تقدم في مسيرة حالة و جانب دون ان تلتحق به الجوانب الاخرى التي يجب ان تلزمه في التراكب و التوازي و التعلق .
اذن، لو اصر اي منا على ضرورة اجراء الاصلاح السياسي العام و ما ينتج عنه من التغيير، لابد من الاصرار على التغيير الشامل الكامل الواسع النطاق في جميع الحالات و الاطر المعيشية للانسان و في كل مايخص هذا المفهوم الذي يفرض نفسه على الجميع و ما ينشده الكل في كل زمان و مكان.
و من هنا لابد ان نتطرق بشكل واضح للتغيير السياسي العام الذي تتحدث به كافة القوى و الاطراف السياسية لاغراض مختلفة ، سوى كانت من اجل اعتلاء السلطة او للتنافس مع القوى الكبرى.
بداية لابد ان نعلم ان حياتنا المعيشية بحاجة ماسة الى تنظيم و ترتيب و اعادة نظر في توجه عما مثبت و قديم ،و محاولة التجديد و التحديث و الابداع في خلق ما تتوازى عليه الحياة لدفع معيشة المواطن البسيط نحو ما يبتغيه من خلال اداء كافة الجهات المرتبطة به ، و عندئذ يمكن ايصال المجتمع المعني الى مصافي المجتمعات الطبيعية المعيشة، و يمكن العمل حسب الظروف و السمات الخاصة لكل مجتمع و لكن بعد تخطيط و دراسة و بحوث و تعيين مواقع الثغرات و تشخيص السلبيات و الاعتماد على الاختبارات و التجارب العلمية الصحيحة. و ما نراه من المحاولات المتعددة سوى كانت بحسن نية او لا ، ام كانت لاغراض و اسباب سياسية قد تؤثر بشكل متواضع على السيرة السياسية العامة، كاتخاذ الحيطة و الحذر من قبل السطة و اجراء التعديلات و مراقبة عملها و المطالبة بالتغيير و الاصلاح السياسي كلما سنحت لها الفرصة كما تتطلبها المعارضة، لاا ان عملية التغيير شاملة متكاملة لا يمكن حصوله من جانب واحد و تبقى جوانب اخرى متخلفة، و لكن المطالبة الدائمة بالتغيير و الضغط المستمر و اثارة الراي العام و تكثيف جهود الاعلام و المنظمات المدنية مع التخطيط و طرح البديل بوجود الشفافية و الدقة في العمل التي هي من اولويات المطالب الرئيسية لنجاح التغيير بشكل جذري سوف ينجح التغيير نسبيا.